يوجه الجميع أصابع الاتهام إلي هذا الوقت من الزمن، علي أنه المسؤول عما أصاب الناس من مشاعر القلق والاضطرابات،
بل إن البعض أكثر تحديداً في المسؤولية بتوجيههم الاتهام إلي التطور التكنولوجي المتسارع كمسؤول مسؤولية مباشرة عن الاضطرابات والقلق إن حقيقة تحديد المسؤولية، وهل ما يوجه للعصر الحديث والمكتشفات العلمية من اتهام صحيح أم باطل .. خارج عن نطاق اهتمامنا في هذا الحديث ولكننا لا نملك إلا الاعتراف بأن القلق والاضطرابات أصبحا شائعين جداً، ولا شك في أن هذا ينعكس علي الأسرة سلباً لأنه إذا أصيب أحد أفراد الأسرة بالاضطراب فإن ذلك يحيل حياة الأسرة جميعها إلي اضطراب وقلق، فالسؤال إذن : كيف بين الاضطراب وبين أنفسنا ؟
ولكن قبل الاسترسال في الحديث عن أساليب المقاومة، فإن من المفيد التعرف علي العوامل الرئيسية التي تساعد علي حدوث القلق، وهنا لا بد من إيضاح نقطة مهمة، ألا وهي أن العامل غير السبب، فالعامل هو الصفة التي يجب أن يحويها الحدث حتي يكون سبباً من مسببات القلق، فالأسباب إذن متغيرة أو هي الحوادث الحياتية اليومية التي تمر بنا، ولكن العوامل هي صفات ثابتة قد يحويها الحدث فتكون فرصة إحداثه للقلق والاضطرابات أكبر، أو إنها ( أي هذه العوامل ) تكون غير موجودة في الظرف الذي نمر به فتكون فرصة إحداثه للقلق أقل وقد تكون معدومة .
وهذه العوامل هي :
1- فقدان السيطرة علي الحدث : مثال بسيط لتوضيح أثر هذا العامل، قبل الامتحان يكون هناك درجة من القلق والاضطرابات، ولكن عندما يبدأ الشخص بحل أسئلة الامتحان ويشعر بأنه قادر علي التعامل مع هذه الأسئلة فإن هذا الاضطراب يقل بل قد يختفي تماماً، وعلي النقيض من ذلك فإنه إذا ما شعر بأنه لا يملك أية سيطرة علي الأسئلة، فإن درجة الاضطراب تزداد ويشعر بقلق شديد، والفرق في الحالتين أن الأول يملك السيطرة علي الموقف والآخر يفقد هذه السيطرة .
2- عدم توقع الحدث : عندما يكون الشخص قادراً علي معرفة ما سيحدث يكون مستعداً، ولكن إذا ما أخذه الحدث مفاجأة، فإن القلق والاضطراب يفاجئ المرء كما فاجأه الموقف، فمثلاً قد يكون الشخص يقود سيارته دون مشاكل ويشعر بهدوء، ولكن وخلال لحظات يجد أن السيارة التي أمامه قد توقفت فهذا الموقف المفاجئ يؤدي إلي شعور مفاجئ بالاضطراب .
3- تزاحم الأحداث : عندما يجد الإنسان نفسه في مواجهة مجموعة من المشاكل في وقت واحد يجد نفسه تحت وطأة اضطراب أكبر وأثقل، وقد يتساءل أحدكم الآن فيقول : هذه العوامل خارجة عن نطاق تحكم الشخصية، فكيف يمكنه إذن أن يسيطر علي القلق ؟ ... لا تنزعج كثيراً ... نعم، قد تبدو هذه العوامل وللوهلة الأولي خارج نطاق تحكم الشخصية، ولكن من خلال مراعاة أمور بسيطة، تكون جميع هذه العوامل تحت سيطرتك ويكون بإمكانك أن تلغيها من حياتك تماماً وأن تقود حياة خالصة من القلق بإذن الله .
والآن لنتعرف علي أهم القضايا التي يجب أن يراعيها المرء ليتخلص من مظاهر القلق والاضطرابات ؟
1- الإيمان بالقضاء والقدر : كثيراً ما أسأل عن الفوارق التي لاحظتها من خلال تجربة عملي في اسكتلندا بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الإسلامية ؟ قطعاً إن هناك مجموعة فوارق بين المجتمعين، ولكن ومن خلال نظرة نفسية فإن من أهم هذه الفوارق علي الإطلاق هو الإيمان بالقضاء والقدر، فالإيمان بهذه الحقيقة يعطي قدراً كبيراً من الشعور بالطمأنينة، وذلك بان يكون المرء مطمئناً إلي إن ما أصابه ما كان ليخطئه وما أخطأه ما كان ليصيبه، وهذه القاعدة الإيمانية يبذل من أجلها المعالجون النفسيون الساعات الطوال لإيصالها للمرضي خاصة المصابين بالقلق والاضطراب النفسي .
2- البعد عن السلبية : وملء النفس بالإيجابية، والمقصود بذلك أن لا نقول : ( لن أستطيع فعل كذا ) أو ( لن أتمكن من عمل كذا ) .. بل دائماً كن متفائلاً، وقل ( إني قطعاً وبعون الله سوف أحقق كذا ) و( لن أجد صعوبة بإذن الله ـ في إنجاز كذا ).. فهذه الرسالة الإيجابية هي سر من أسرار نجاح كثير من المتميزين في حياتهم العملية وسر عدم تأثرهم بالقلق والاضطراب .
3- أدر وقتك : من أهم الأسباب التي تؤدي للقلق، تزاحم متطلبات الحياة في فترة محدودة، ولا يحدث التزاحم في حياة الإنسان إلا إذا لم يحسن إدارة وقته،ولكن إذا ما كانت كل أموره متناسقة ومجدولة في جدول زمني حتي ولو كان ذهيناً، فإنه سيجد أنه أصبح لديه متسع من الوقت حتي لإدارة الأمور الطارئة التي لم تكن أصلاً مبرمجة في جدوله الزمني، وبالتالي فإن متطلبات الحياة لن تتزاحم عليه، وهكذا يكون قد منع واحداً من أهم عوامل القلق من الظهور في حياته .
4- وختاماً لا بد من التأكيد بأنه لابد من مراعاة الجوانب الذهنية والنفسية والجسدية : وذلك لكي نضمن توازن الجسم، فيكون في منأي عن الاضطراب والقلق، فلابد من أن نمنح أنفسنا الراحة الجسدية والمتعة الذهنية والتوازن النفسي، وبالتالي فلابد من مراعاة ساعات النوم وإعطاء الذهن حقه من القراءة والاستماع وموازنة النفس بالجوانب الروحانية والإيمانية .
استشعار المسؤولية بين الزوجين
حدث خلاف بين رجل وزوجته فرفعت صوتها عليه، فانطلق الرجل إلي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليشتكي إليه سوء خلق زوجته، وعندما وصل إلي بيت عمر سمع زوجة عمر ترفع صوتها علي أمير المؤمنين، فهم الرجل بالانصراف، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستدعاه وقال له : ما الذي جاء لك ؟ فقال الرجل : جئتك شاكياً من ارتفاع صوت زوجتي، فسمعت صوت زوجتك مرتفعاً عليك يا أمير المؤمنين فهممت بالانصراف، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رجل إنها غاسلة ثيابي، وطابخة طعامي، ومربية أطفالي، أفلا نصبر عليهن ؟
ومن خلال هذا الموقف نريد أن نصل إلي مبدأ مهم جداً، ألا وهو استشعار الرجل لمكانة المرأة ودورها في المنزل، واستشعار المرأة لمكانة الرجل ودوره .
إن من أكبر أسباب فتور العلاقة الزوجية هو طلاق الأدوار، ونقصد بهذا المصطلح عدم أداء كل من الزوجين للأدوار الرئيسية في الحياة الزوجية، فالمرأة لا تجد أهمية لوجود الرجل في المنزل، فالذي يشتري لوازم المنزل هو السائق، والذي يذهب بالأولاد إلي المدرسة هو السائق، والذي يذهب بالمرأة إلي السوق أو إلي أي مكان لقضاء حاجاتها الشخصية هو السائق، وهكذا .. فأين موقع الرجل من الإعراب، للأسف اقتصر فقط هذا الموقف علي غرفة النوم !!
وكذلك الرجل لا يجد للمرأة أي فائدة من وجودها في المنزل، فالتي تغسل الثياب وتطبخ الطعام وتلبس الأطفال هي الخادمة، فأين موقع المرأة من المسؤولية ؟
ومن خلال هذا الواقع الأليم في كثير من البيوت نجد أن العلاقة الزوجية أصبحت رسمية جداً وفق نظام إداري بعيد عن المشاعر والعواطف، والنبي صلي الله عليه وسلم يبين أهمية استشعار المسؤولية فيقول : \" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في بيت أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها \" .
ومن خلال جواب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لذلك الرجل الذي جاء شاكياً يتضح جلياً استشعار أمير المؤمنين لأهمية ودور المرأة في حياته، وأن ذلك يغطي علي هفواتها وزلاتها فمتي ترجع البيوت إلي سابق عهدها من المودة والمحبة والوئام